الاثنين، 10 يونيو 2013

كتب غازي مرتجى


"تجارة الإنقسام" كلمة تصف ما يحدث في قطاع غزة الآن , يردنا اتصالات بشكل دوري بأن الأسير المحرّر "فلان" افتتح مصنعاً للكنافة , وآخر للفلافل وثالث للملابس ورابع للبوظة وخامس وسادس  .. هي حالات لربما تجد تعاطفاً من الغزييّن ومنّي أنا أيضاً والجميع يذهب لتجربة "الطعم الجديد" ويقف طابوراً طويلاً ليحصل في النهاية على طلبه أو جزء صغير منه..

هذه "الموضة" الجديدة وإن صحّ تسميتها بموضة استرزاق من نوع جديد واستغلال للانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي وتباعد شطري الوطن عن بعضهما واتسّاع الفجوة لتصل إلى "الطعام والشراب" ..

في غزة , افتتح أسيران محرران محلاً لصناعة الكنافة النابلسية , فتهافتت عليه وسائل الإعلام "ودنيا الوطن من أوائلهم" فكانت شهرة المحل على كل لسان وأصبح في وقت قصير حديث للذوّاقة .. ما لبث أن انشقّ شريك "الأول" وافتتح محلاً جديداً بجواره , وفجأة ظهر محل ثالث في ذات المكان .. ورابع في أقصى الشرق , وجميعهم لبيع الكنافة النابلسية .. من المعروف أن أصل "الكنافة" هي نابلس وأنّها سُمّيت بالنابلسية لذلك , لكن بحسب صديق لي فإن ما يميّز الكنافة النابلسية الأصلية هو "الجبن" الخاص بها و"جبن" المحلات المذكورة هو ذات الجبن المستخدم في أي كنافة مصنوعة في غزة , والفرق بينها وبين باقي الأنواع أنها مصنوعة بأيدي نابلسية , أو "ضفاوية" .. وفي ذات الطريق تجد محلاً للفلافل والفول الضفّاوي !

لا أوّد الحديث عن الطعم أو اللون أو الرائحة .. فلا يحق لي فالخبز لخبّازه وليس لي .. أما ملاحظتي فهي على مدى تأثير الإنقسام الفلسطيني بين شطري الوطن , ومدى اشتياق "أهل غزة" لأي شيء من "أهل الضفة" .. وهو ما كرّسه  بُعد المسافات بين الضفة وغزة , وتأثير الانقسام الفلسطيني على المواطن الغزّي والضفاوي على حد سواء ..

يُحدثني أحد كبار السن أنه لم تكن في يوم من الأيام رفح بعيدة عن جنين , فصلة النسب بين شقي الوطن معروفة , وما أنا إلا مثالا بسيطاً , وكذلك "غسّان الشكعة" فهو متزوج من "غزّية أصيلة" وهو "نابلسي أصيل" .. وكان أهالي نابلس هم الأكثر نسباً مع غزة وأهالي الخليل هم الأكثر تشابكاً وتشابهاً مع غزة , وأهالي جنين هم الأكثر حنيناً لغزة , ولم يكن في يوم من الأيام فرق بين ابن غزة وابن الضفة , فتجد تشابه "الأكلات" و تلاقي "الأفكار" و وتماثل "التقاليد والعادات" .. لكن ومنذ االنتفاضة الثانية في العام 2000 توقّف عُمّال القطاع عن العمل في إسرائيل وغادر موظفوا السلطة "الحكوميين والأمنيين" من الضفة إلى غزة والعكس , وأحكمت إسرائيل فصل شطري الوطن بحواجزها ومعابرها , فيما قضى الانقسام الفلسطيني على أي فرصة لإعادة التواصل بين أجزاء الوطن المفتّت .. فتجد الجيل الشبابي الجديد لا يعرف اسم شارع في الضفة أو قرية هناك أو مخيم إلا تلك المناطق المنكوبة ومتواترة الذكر إعلامياً والعكس صحيح لأهالي الضفة ..


الدعم الشديد والاحتضان الكبير للمُبعدين من الضفة إلى غزة هو مؤشر لقادة حركتي فتح وحماس بأن النسيج الاجتماعي سرعان ما يعود .. والتلاقي والتماثل والتشابه والإنسجام سرعان ما يتحقق , والاحتقان والحقد سرعان ما يتبدد .. لربما هي دعوة لطرفي الانقسام بإعادة النظر وقراءة التاريخ من جديد فلا "الخليلي" يفكر بالبعد عن بيت حانون , ولا النابلسي يفكر بطلاق غزة , ولا أهل جنين سيفكروا بجفاء خانيونس .. ولا أهل طولكرم سيبتعدون عن رفح .. هي كلها مسميّات تحت علم فلسطين ..


وهنا لابد أن أتعجب لمدى "اليأس" الذي حطّ على قلوب المُبعدين الذين اقتنعوا أن غزّة مكانهم الأخير ولا أمل بالعودة أو الرجوع إلى الضفة .. وأشير إلى ما تحدث به المبعد الى غزة "فهمي كنعان" الذي دعا من يفكّر بالمقاومة ليُبعد في النهاية إلى غزة ألّا يُقاوم !.. لا تسعدوا الاحتلال وتُحقّقوا أهدافه .. ولا تُباعدوا أكثر بين "غزة والضفة" .. ولا تكونوا من أهل "اليأس"..



ملاحظة : تقديري وإحترامي لمُبعدي كنيسة المهد , فهم لم يكّلوا ولم يملّوا لإيصال صوتهم , بل واصلوا تحدّي سياسة الإبعاد لعشر سنوات .. وأعتقد أنهم سيستمرّون ...

0 التعليقات:

إرسال تعليق